إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
تفسير سورة الكهف
29525 مشاهدة
قصة السفينة

فأولها: السفينة، يقول الله تعالى: فَانْطَلَقَا يعني: صار موسى والخضر ولم يذكر الفتى؛ لأنه تابع لموسى فيعتبر كأنه تبع موسى، انطلق موسى والخضر
حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ مرا بسفينة، فطلبا أن يركباها، أهل السفينة يعرفون الخضر فلما عرفوا الخضر أركبوهما بغير أجرة، بغير نَوْلٍ، لم يطلبوا منهما نولا ولا عطاء، وهذا دليل على أن هناك من يعرف الخضر ويعترف بفضله، ويعترف بعلمه، وأن أهل تلك السفينة من المسلمين المتبعين للخضر الذين على دينه، وعلى طريقته؛ فلهذا عرفوه، فأركبوه بغير نول، ولما أركبوه رق لهما، وخاف أنهما يُسْلَبان هذه السفينة، فلما ركبا في السفينة، كان مع الخضر فأس، فعمد إلى لوح من ألواح السفينة، فخرق ذلك اللوح، كسره، وأزاله عن موضعه، وجعله في موضع آخر؛ ليكون عيبا ظاهرا في هذه السفينة.
فلما رأى موسى ذلك منه تعجب، أن هؤلاء حملونا بغير أجرة، وعمدت إلى سفينتهم فأفسدتها، وجعلت فيها هذا الخرق لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا أي: شيئا غريبا، حيث عمدت إليها؛ لتفسدها، وتغرق أهلها، لأن العادة أن السفينة تجري في لجة البحر، وأنه إذا كان فيها خرق فقد تأتي إلى مكان عميق فيه أمواج، وفيه اضطرابات، ثم إن تلك الأمواج قد ترفع الماء إلى ذلك الخرق فيدخل في وسط السفينة، وإذا دخل فيها، وامتلأت من الماء رسبت، غرقت، وغاصت إلى أسفل الماء وإلى لجته؛ فيغرق أهلها، وتغرق البضائع والأمتعة التي فيها؛ فتكون أنت السبب، لأنها كانت قبل ذلك سفينة صالحة.
ولما عجل موسى بالإنكار قبل أن يسأله ذكره بتلك المقالة التي اشترطه عليه، بقوله: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا يقول: أما تذكر أنني ذكرتك، وقلت لك: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا فهذا تسرعك، وهذا أمرك، وهذا من عجبك، وإنكارك لشيء لا تعرفه؛ فأنا أعرف السبب، وأنت لا تعرفه، فذكره بذلك.
ولما ذكره تذكر موسى تلك الكلمة، واعتبر هذا نسيانا منه، وغفلة عن تلك الجملة التي أخذها عليه، واشترط عليه، فقال: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ فقد نسيت شرطك علي، وغفلت عن ما طلبت مني، نسيت شرطك؛ فاعف عني.
لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ولا تكلفني مشقة لا أتحمل الصبر معها، وتطردني بذلك وتردعني، فعند ذلك عذره الخضر ولكن لم يبين له أمر خرق السفينة إلا فيما بعد.